بقلم ندى محمود
المحتويات
الحمام تحرك إلى الأريكة وجلس فوقها ينتظر خروجها .. وبعد دقائق
قصيرة خرجت وهي تجفف وجهها بمنشفة بيضاء صغيرة .. تجاهلت وجوده وأكملت طريقها باتجاه الفراش لكنه قبض على رسغها ليوقفها متمتما
بتتجاهليني ليه !!
لم يعجبها ضعفها أمامه بالأمس عندما اعتذر منها .. هي لا تعترف بذلك الاعتذار ولم تصدقه ولن تدعه الآن يضعفها مجددا .. تمتمت ببرود
استقام واقفا وتقدم منها مغمغما
قولتلك قبل كدا إنك فاشلة أوي في الكذب وخصوصا عليا
ابتسمت بمرارة وهدرت وهي تسحب يدها من قبضتها
يارتني كنت بعرف أكدب فعلا
استدارت وهمت بالابتعاد لكنه أمسك بكف يدها في لطف هذه المرة .. أثرت بها لمسته واستاءت من هذا فوجدت نفسها تلتفت له من جديد وتصرخ به بعصبية وهي تسحب كفها پعنف
........ نهاية الفصل ........
الفصل السادس والعشرون
تراخت قبضته على كفها وتدريجيا سحب يده ببطء متطلعا لها بعينان يائسة .. لطالما أبدت له عن الكره الذي تكنه له في ثنايا
صدرها .. واعتاد أن يسمع منها ذلك الكلام .. لم يكن يبالي وربما لم يشعر بأنها تنبع حقا من قلبها .. معتقدا أنها فقط نابعة من ڠضبها منه وهذا ما يدفعها لتلك الكلمة باستمرار لكن اليوم شعر بصدق الكلمة .. غصبها وانفعالها من مجرد لمسة
قرأت هي معالم الحيرة الممزوجة ببعض الضيق على وجهه فاخفضت نظرها لأسفل تجده يسحب
يده ببطء تاركا يدها عادت ورفعت نظرها له تتطلع إليه بصمت للحظات عابرة تتلاقي فيها أعينهم معا .. هو يبحث عن أشارة تأكد له تكذيب الكلمة وهي تدقق النظر في عيناه بتعجب من نظرة الخيبة الظاهرة بهم كطفل كان يصدق حقيقة ويأمل في تحقيقها وحين لم تسير السفن كما تهوى نفسه خاب أمله ! .
متقربش مني تاني لأن اعتقد مفيش حد فينا حابب يجرح التاني .. ندمك مش هيغير الحقيقة ياعدنان حتى لو أنا مقدرة ده ومتقبلة ندمك اللي متأخر .. مش هيغير حقيقة تهميشك ليا ولا حقيقة إنك إنت وبابا اعتبرتوني صفقة هو باع وإنت اشتريت .. وكمان مش هيغير أهم حقيقة وهي إنك مبتحبنيش
بس غيرني أنا .. وده كافي إنه ممكن يغير كل اللي قولتيه دلوقتي
بادلته الابتسامة بأخرى مستنكرة ونبرة بائسة
ثم استدارت وسارت لخارج الغرفة وتركته يمسح على وجهه وشعره متأففا بخنق وعدم حيلة .. ! .
كانت تمسك بيدها كوب اللبن الصباحي الخاص بها .. وتجلس بحديقة المنزل تنقل نظرها بحركة تلقائية في كل جهة لكن عقلها شارد بمكان آخر .. جذبها من شرودها صوت باب المنزل وهو ينفتح فحركت رأسها باتجاهه لترى حاتم يخرج منه ويتجه نحوها بخطواته الثابتة .. اشاحت بنظرها عنه وتصنعت عدم ملاحظتها له ادرك هو تجاهلها له عمدا فتنهد بخنق واستمر في الاقتراب منها حتى جلس على المقعد المجاور لها هامسا
صباح الخير
رفعت كوب اللبن لفمها ترتشف منه ثم تنزله وتجيب بمضض دون أن تنظر له
صباح النور
شرد للحظة بها عندما رآها ترتشف من كوب اللبن برقة وشعرها البني يغطي نصف وجهها ونصفه الآخر منسدل على ظهرها بانسيابية وتتطاير منه خصلات قصيرة بفعل نسمات الهواء الناعمة .. هز رأسه بحركة نافرة حتى يستيقظ من تأثره اللإرادي بها وغمغم يعتذر للمرة الثانية
نادين إنتي لسا زعلانة مني ! .. والله مقصدش أنا آسف فكيها بقى وابتسمي في وشي
نادين باقتضاب دون أن تنظر له
ماني زعلانة
حاتم رافعا حاجبه مستنكرا ردها
طيب بصي في وشي الأول حتى وقولي إنك مش زعلانة عشان اصدق
التفتت برأسها تجاهه وغمغمت بابتسامة صفراء
مش زعلانة ياحاتم موضوع وانتهى خلص .. ما بعتقد أنه يستحق اننا نزعل من بعضنا مشانه
رد بضيق ملحوظ على معالم وجهه
حقك عليا أنا آساسا بني آدم سخيف والله .. وعد من هنا ورايح هخلي بالي في كلامي عشان اللي حصل ده ميتكررش تاني
علقت بتعجب وبعض الحدة
شو هاد .. ليش إنت ناوي تكرره مرة تاني مثلا !
حاتم موضحا لها قصده ببساطة وهو يهز رأسه بالنفي مسرعا
لا قصدي متزعليش مني تاني يعني
لانت نظراتها الحادة والتفتت بوجهها للجهة الأخرى تخفي ابتسامتها الخجلة وهي تجيب بخفوت
أي خلاص .. حصل خير ماني زعلانة عن جد
ابتسم باتساع وفجأة وثب من مقعده للأريكة يجلس شبه ملتصقا بها ويتمتم بغمزة مشاكسة
عن جد عن جد يعني ولا نص نص
انتفضت بفزع بسيط وحدقته مدهوشة لثواني قبل أن ترتفع قسمات الحزم لوجهها وهي تهتف
حاتم شو عم تساوي بعد هيك عني وارجع لكرسيك
لم يزيده ڠضبها إلا اتساعا في ابتسامته وهو يوميء بإيجاب مغمغما
تمام أنا كدا اتأكدت أنه عن جد فعلا
حدقته شزرا بغيظ وهبت واقفة تسير باتجاه باب المنزل مسرعة لكنها هدأت من سرعة خطواتها حين سمعته يهتف بخبث
جهزي نفسك عشان في خطوبة واحد صاحبي بكرا وعازمني ومش حلوة اروح وحدي
استشاطت غيظا منه هو حتى لا يسألها عن رأيها بل يتحدث بلهجة آمرة وبكل ثقة .. التفتت برأسها له تهدر بعناد وغيظ تتحدث اللهجة المصرية
مش هروح
ثم التفتت مرة أخرى وأكملت خطواتها بينما هو فغمغم مغازلا إياها بعد أن انتبه لثوبها الأصفر
هتروح ياجميل يا أصفر إنت
توقفت وقد اشتعلت من الغيظ والڠضب حقا فلمحت على الأرض حجرا صغيرا لا يؤذي لكنه سيرضى غيظها منه استدارت بجسدها نحوه والقت بالحجر عليه هاتفة
هاد مشان تحترم حالك ياوقح
كاد أن يصيبه الحجر لولا
أنه تداركه على آخر لحظة وتفاده برأسه الذي ماله بها
للجانب فمر الحجر من جانب رأسه تماما كانت تراه يضحك باستمتاع وبرود استفزها لكنها قررت عدم الدخول معه في شجار الآن وتجاهلته ثم استدارت مرة أخرى وسارت للداخل
وتركته .
في مساء ذلك اليوم ......
سارت باتجاه جدتها التي تجلس أمام التلفاز تشاهد مسلسلا مصريا كلاسيكيا البخيل وأنا .. جلست بجوارها على الأريكة وهي تحمل بين يديها صحن كبير ممتليء بالفشار مدت فوزية يدها داخل الصحن دون أن تحيد بنظرها عن التلفاز والتقطت ثلاث حبات من الفشار بين اصابعها ورفعتهم بفمها تتناول كل واحدة على حد .. بينما مهرة فالتقطت حبة والقت بها داخل فمها مردفة وهي تشير بنظرها على التلفاز في ملل
يازوزا حرام عليكي بقى كفاية المسلسل ده أنا حفظته من كتر ما بتخليني اسمعه معاكي ڠصب كل ما يكون شغال
روحت فوزية يديها لها بعدم اكتراث مغمغمة بسخرية
بس اسكتي إنتي ولا عارفة حاجة اتفرجي وشوفي بس
مهرة بإصرار
والله عارفة حتى الراجل البخيل اسمه عوض اللي هو فريد شوقي يعني و بيفضل يحوش في فلوسه وميديش لولاده حاجة ومطفحهم المر وفي الآخر لما ېموت ولاده هيكتشفوا أنه عنده ثروة و .... يووووه أنا كل شوية بحكي في الموال ده بصي معايا كدا طيب عايزة اقولك حاجة مهمة
فوزية بعينان ثابتة على شاشة التلفاز دون أن تنظر لها
قولي
أخذت نفسا عميقا واخرجته زفيرا متهملا قبل أن تهتف في نفس واحد
أنا سبت الشغل
توقفت فوزية عن التحديق في التلفاز والتفتت برأسها تدريجيا تجاه حفيدتها تتطلعها بدهشة امتزجت ببعض الڠضب فقالت مسرعة تتفادى ڠضب جدتها
يازوزا مش مرتاحة مع
عم سمير والشغل مرهق أوي الصراحة وأنا بتعب
فوزية باستياء بسيط
وماله عمك سمير ما الراجل ربنا يباركله ليكي سنين بتشتغلي معاه في مكتبته وعمرنا ما شوفنا منه حاجة وحشة وأنا عارفاه وببقى مطمنة عليكي عنده
ابتسمت مهرة بمرارة وودت لو تخبرها بكل شيء .. حتى تجعلها ترى هذه الملائكة المزيفة على حقيقتها .. لكنها آثرت الصمت بالنهاية خوفا على صحة جدتها وقالت بابتسامة دافئة ونبرة رزينة
معلش ياتيتا إنتي أكيد عايزة تشوفيني مرتاحة وأنا قولت اشوف مكان تاني اكون مرتاحة فيه وأفضل بنسبالي
ضړبت فوزية بكفها الايمن فوق ظهر كفها الأيسر وهي تهتف بحيرة بعد تنهيدة طويلة أصدرتها
وإنتي هتلاقي فين شغل تاني يا ناصحة
ابتسمت بارتباك بسيط وأجابت پخوف
لا ما أنا لقيت !
علقت فوزية مدهوشة
لقيتي فين هو إنتي لحقتي !!
تنحنحت مهرة واتسعت ابتسامتها البلهاء وهي ترد على جدتها برقة مصطنعة
أصل أنا شوفت أعلان بالصدفة لشركة وكانوا محتاجين موظفين في قسم الحسابات تخصصي يعني فقولت اقدم .. قدمت وروحت الصبح عملت المقابلة وقالولي هيردوا عليا بكرا
اتسعت عيني فوزية بذهول وسرعان ما صاحت بحفيدتها في ڠضب حقيقي
وإنتي تعملي ده كله من غير ما تقوليلي ولا تشاوريني .. ده إنتي ليلتك سودة يامهرة
رأتها تنزع حذاء قدمها عنها فأدركت ما سيحدث بعد ذلك وثبت واقفة وهرولت راكضة تجاه غرفتها ولسوء حظها أن فوزية ألقت بالحذاء فأصابها في ظهرها .. توقفت وهي تلف ذراعها للخلف تضعه على ظهرها صاړخة پألم وتهتف من بين صړاخها
آاااه جالي الغضروف .. ياولية عايزة تعجزيني وأنا لسا في عز شبابي .. طب افرض اتقبلت في الشغل دلوقتي اروح للواد التركي ازاي .. اروحله وأنا على كرسي على متحرك يعني
فوزية مضيقة عيناها باستغراب وڠضب
مين الواد التركي ده كمان !!!
تداركت مهرة جملتها وقالت وهي تضحك ببلاهة
لما اروح تركيا يعني واقابل عريسي هناك قصدي
فوزية بعصبية
انجري يابت على اوضتك يلا .. تركيا في عينك .. قال قدمت وروحت عملت المقابلة أصل أنا مليش كلمة يا بنت رمضان
تجاهلت كلمات جدتها الغاضبة وسارت باتجاه غرفتها وهي ممسكة بظهرها وتتلوي پألم مغمغمة في عينان تبكي بكاء مزيف دون دموع
ياعيني على شبابك اللي راح يامهرة .. الولية ماشاء الله تاخد جايزة نوبل في التنشين بالشبشب .. آه ضهري اتقطم !!
أمسكت بهاتفها الذي يصدع رنينه للمرة الثانية على التوالي .. قرأت هوية المتصل فتنهدت بقوة وأجابت عليه في نبرة جادة
أيوة
ضيق عيناه باستغراب من نبرة صوتها لكنه أجاب بصوت لين
عاملة إيه ياحبيبتي
كويسة يا رائد وإنت
لم تتغير نبرتها بل كانت مثل السابقة تماما وربما أشد حزم وجدية .. مما جعله يسألها بحيرة
أنا كويس .. إنتي في حاجة مضيقاكي ولا إيه !
لوت زينة فمها بتهكم وهدرت بعدم مبالاة مزيفة
لا عادي مفيش حاجة
رائد بترقب لردها وصوت رجولي جاد
زينة واضح من صوتك إن في
حاجة حصلت .. قوليلي في إيه !
كانت قد عزمت أنها لن تسأله .. لكن كلما تتذكر تلك الفتاة وتقذف لذهنها صورتها تشتعل غيظا من أسلوبها والطريقة التي تحدثت بها معها
.
زينة بصرامة
أصل من يومين أنا كنت
في الكافيه قاعدة بشرب قهوة .. وفجأة لقيت واحدة وقفت جنبي وبتقولي إنتي زينة خطيبة رائد قولتلها إيوة ولما سألتها هي مين ضحكت بطريقة مستفزة وقالتلي معقول رائد مقالكيش أنا مين وفي الآخر تقولي اسأليه هو أفضل مين أنا وهو يقولك
انقطع صوته في الهاتف للحظات حتى عاد واجابها بصوت غليظ
مين دي وتعرفني منين أساسا
زينة باقتضاب
والله معرفش أنا بسألك إنت .. هي كانت لبسها مش لطيف وطريقتها كمان في الكلام وشعرها صبغاه احمر وحاجة كدا تسد النفس
لعڼ في نفسه پغضب وهو يمسح على وجهه متأففا بصوت منخفض ثم هدر بصوت حاني ومحب
متشغليش بالك ياحبيبتي .. يمكن تكون واحدة تعرفني من الشغل أنا بتعامل في الشغل مع ناس كتير إنتي عارفة .. أكيد واحدة مش كويسة وحبت تضايقك بالكلام لو هي تعرفني صح يعني
زينة بنبرة لم تعود للطافتها بعد
اممم ما أنا قولت برضوا إنت هتعرف الأشكال دي منين !
رائد باسما وهو يجيبها بمداعبة
سيبك منها .. مش معقول خطوبتنا بكرا وهتبقى مضايقة في وشي عشان واحدة معرفهاش أساسا
طيب ما هي تعرفك يا رائد !!
رائد موضحا بلطف
ياحبيبتي وهو لازم كل اللي يعرفني اكون عارفه !
أصدرت تأففا ممتزجا بتنهيدة حارة مجيبة عليه في رقة أخيرا
طيب خلاص متستهلش افكر فيها من الأساس
بظبط كدا ياروحي .. احنا دلوقتي ورانا حجات أهم نفكر فيها
اكملت زينة بدلا منه وهي تبتسم باتساع
زي الخطوبة مثلا
رائد ضاحكا ببساطة
آه مثلا !!
سمع صوت ضحكتها الرقيقة يرتفع في الهاتف .. ولم يتكلم حتى لا يفسد لحظات ضحكها فقط استمع لها وهي تضحك ! .
داخل منزل عدنان تحديدا بغرفتهم .....
فتحت عيناها دفعة واحدة بزعر ثم استقامت جالسة في الفراش وهي تلهث بقسمات وجه مڤزوعة .. التفتت بسرعة ومدت يدها لكبس الكهرباء حتى تفتح الضوء بقت تحدق أمامها في خوف أنها المرة الثالثة التي تراودها فيها الكوابيس في أحلامهما هذه الليلة.. رفعت نظرها بتلقائية لساعة الحائط فتجد الساعة تخطت الثانية بعد منتصف الليل تجولت بنظرها في أرجاء الغرفة بحثا عنه ولكن لا أثر له تشعر بالنعاس الشديد ولكن الخۏف هو الشعور الغالب عليها أكثر الآن .. تخشى أن تنام وحدها فيزورها الکابوس الرابع هذه المرة .
انزلت قدماها من الفراش ووقفت ثم سارت إلى خارج الغرفة ومن الغرفة إلى الدرج تنزله بتمهل كان الظلام الدامس يملأ الطابق السفلي من المنزل .. انتهت من نزول الدرج وسارت ببطء شديد حتى لا تصطدم بشيء .. وبتلقائية خرجت همسة خائڤة منها دون أن ترى شيء
عدنان !
ثلاث ثواني بالضبط بعد همستها وانفتح ضوء التحفة المنزلية الصغيرة الاباجوره الموضوعة فوق منضدة صغيرة بالقرب من الأريكة .. ورأته جالسا فوق الأريكة و يلتفت برأسه لها للخلف هامسا
أنا هنا ياجلنار
تنهدت الصعداء براحة وهدأت نفسها المرتعدة بعد رؤيتها له .. تحركت نحوه بهدوء ثم جلست على آخر الأريكة بجواره في صمت .. فسمعته يسألها بتعجب
إيه اللي صحاكي !
هزت كتفيها تجيبه في خفوت دون أن تخبره بالسبب الحقيقي
عادي
استنكر ردها بكلمة واحدة لكنه لم يعقب . فأخذت ټخطف إليه نظرات خلسة وهي تراه يرجع برأسه للخلف على ظهر الأريكة ويغمض عيناه بسكون .. لم تتمكن من منع لسانها الذي تحدث وسأله
إنت ليه قاعد هنا وفي الضلمة للوقت ده
خرجت تنهيدة منه تبعها رده بصوت رخيم
حبيت اقعد وحدي شوية
رفعت كفها تغلق فمها الذي انفتح لتتثاؤب وتجيب عليه
بصوت غير واضح بعض الشيء
معلش
متابعة القراءة